افتتح المجلس الشعبي الوطني أول أيام هذا الأسبوع بجلسة خصصها لمناقشة محتوى مشروع القانون المتعلق بالصحة الذي تكفل وزير القطاع السيد مختار حزبلاوي بعرضه أمام النواب.
وفي كلمة له قبل انطلاق أشغال الجلسة أكد رئيس المجلس الشعبي الوطني السيد السعيد بوحجة أن السياسات الاجتماعية شكلت التزاما سياسيا وأخلاقيا للدولة تجاه المجموعة الوطنية واعتبر أن بناء المنظومة الصحية يعد من بين أهم نجاحات الدولة الجزائرية الحديثة، لكونها بُنيت على مبادئ تكرس تعبئة موارد البلاد لخدمة المواطن، وتحصين الأمن الصحي للمجتمع، بما يجسد البعد الاجتماعي للدولة الجزائرية ولذلك حث رئيس المجلس الشعبي الوطني على مناقشة وإثراء هذا النص بما يسهم في إخراجه منسجم الأحكام حتى يُلبي رغبات المواطن عموما والأسرة الصحية خصوصا.
وعندما انبرى وزير الصحة وإصلاح المستشفيات لعرض محتوى هذا النص، أكد أن مشروع هذا القانون جاء ليحدد الأحكام والمبادئ الأساسية التي تنظم قطاع الصحة في الجزائر وليجسد حقوق وواجبات المواطنين، بالإضافة الى ضمان الوقاية وحماية صحة الأشخاص والحفاظ عليها وترقيتها ضمن احترام الكرامة والحرية والسلامة والحياة الخاصة.
واستعرض الوزير في تدخله أمام نواب المجلس الإصلاحات التي يكرسها مشروع القانون والتي تتمحور حول شمولية العلاج والمساواة في الحصول عليه ومجانتيه التي لا رجعة فيها خاصة بالنسبة للأشخاص المعسرين، كما استعرض ما اقترحه النص من تدابير جديدة مثل إدخال بطاقة الصحة الالكترونية والملف الالكتروني للمريض لتسهيل متابعته الطبية.
زرع الأعضاء
وفي هذا السياق أفاد الوزير أن هذا المشروع وضع قواعد لتنظيم زرع الأعضاء والأنسجة والخلايا والمساعدة الطبية على الانجاب ومنع الاستنساخ، كما نصّ على الحق في الحصول، ضمن شروط محددة، على طبيب مرجعي (طبيب عام) يمكن أن يلجأ إليه عند الحاجة باستثناء حالات الاستعجال.
ومن جهة أخرى، أعلن السيد وزير الصحة بأن مشروع القانون قد نص على إنشاء مجلس وطني للصحة مكلف بشرح المسائل المتعلقة بالقطاع للسلطات العمومية وكذا تأسيس لجنة وطنية للوقاية من الأمراض غير المتنقلة ومكافحتها. وقال أن مشروع القانون نص أيضا على إنشاء مرصد وطني للصحة مهمته إعداد تقرير سنوي عن الحالة الصحية للمواطنين وتحديد الأولويات الصحية التي يجب أن تستفيد من برامج وطنية للصحّة العمومية.
مصادر التمويل دون المساس بالمجانية
من جانب أخر, أكد السيد حزبلاوي أن هذا النص يرمي إلى إيجاد آليات أخرى لتنويع مصادر التمويل دون المساس بالمجانية وذلك على أساس التحكم في النفقات مع تحسين نوعية وفعالية الخدمات الصحية المقدمة للمريض.وكذا من خلال آليات تعاقد بين المؤسسات العمومية للصحة ومختلف الجهات الممولة على غرار (صناديق الضمان الاجتماعي، التأمينات الاقتصادية، التعاضديات) وذلك من أجل ضمان تمويل في مستوى حاجيات المنظومة الصحية وفي حدود امكانيات الجهات الممولة إضافة إلى التمويل الذي تضمنه الدولة.
وبالمناسبة، أكد ممثل الحكومة أهمية الإبقاء على منظومة الخدمة المدنية الإجبارية من أجل تقليص الفوارق في مجال الحصول على الخدمات الصحية والوقائية والعلاجية في المناطق ذات التغطية الصحية الضعيفة مؤكدا أن الدولة تتولى توفير كل الشروط المادية والبشرية والتقنية لأداء الخدمة المدنية في أحسن الظروف الملائمة.
الإضافات والتعديلات
ولما اعتلت مقررة لجنة الصحة المنصة لتلاوة التقرير التمهيدي، لخصت مجمل الإضافات والتعديلات التي تم اقتراحها في إعادة صياغة بعض الأحكام بالإضافة إلى إعادة ترتيب بعض المواد ضمانا للتسلسل الموضوعي.
وجاء في التقرير أن اللجنة اقترحت أيضا إدراج تأشيرتين جديدين تتعلقان، على التوالي، بالأرشيف الوطني وبحماية الطفل، كما اقترحت اللجنة حذف الفصل الثامن المتعلق بمراقبة التجهيزات الطبية – التقنية من الباب الخامس تحت عنوان المواد الصيدلانية والمستلزمات الطبية فيما تم إدراج فصل ثامن مكرر جديد بعنوان » المواد والمستحضرات السامة » وذلك علاوة على إدراج أربعة عشرة (14) مادة جديدة مقابل حذف خمسة وثلاثين (35) مادة أخرى.
وعرفت مناقشة محتوى المشروع مستويات متباينة من التأييد أو النقد على السواء. وقد فضل عدد من النواب أن يثني على المجهودات التي بذلتها لجنة الصحة في هذا الإطار، كما ثمّنوا الإنجازات المحققة في قطاع الصحة بمختلف هياكلها ومرافقها من مستشفيات وعيادات جوارية وعيادات خاصة، ونوّهوا بما بذل من جهود لاسيما فيما يتعلق بإعداد الأطباء وأعوان شبه الطبي المتخرجين كل سنة عبر مختلف المعاهد ومدارس الصحة.
المحافظة على المكاسب
وقد سجل بعض المتدخلين أهمية المحافظة على مكسب مجانية العلاج والصحة المدرسية وطب العمل وغيرها ودعوا إلى تطويرها بما يتماشى ومتطلبات المجتمع في ظل المساواة بين المواطنين. وبالمقابل انتقد بعض النواب استمرار الاختلالات المتعلقة بنقص الكوادر الطبية المتخصصة، وشدّدوا على ضرورة إيجاد حلول ناجعة لضمان تغطية صحية شاملة عبر التراب الوطني.
وعلى صعيد آخر، أبدى عدد من المتدخلين قلقهم من النزيف المسجل جراء مغادرة الأطباء المختصين للقطاع العمومي والتحاقهم بالقطاع الخاص، كما انتقدوا الضغوطات التسيرية وغياب الأمن والنظافة في عدد من المرافق الاستشفائية، وسنحت الفرصة للبعض من النواب أن يطالبوا بمحاربة مظاهر الإهمال الذي يطبع بعض المستشفيات، مؤكدين في نفس الوقت أهمية توعية الموطن لكي يساهم بنفسه في الحفاظ على الصحة.
ومن جهتهم اقترح نواب الجالية الجزائرية إبرام اتفاقيات ثنائية بين مصالح وزارة الصحة والضمان الاجتماعي والدول المستقبلة للجالية الجزائرية، لتنظيم التكفل الطبي بأفراد الجالية، كما دعوا إلى أن تتحمل الدولة تكاليف نقل جثامين الجزائريين المتوفين بالخارج.
ورأى بعض النواب أنّ مشروع هذا القانون جاء في ظروف يطبعها استمرار الحركات الاحتجاجية وظهور أمراض معدية ووبائية وحالات متكررة من الإهمال والتسيب، ولذلك طالبوا بسحب مشروع هذا القانون مع فتح نقاش عام مع كل المعنين، كما حثّوا على إعادة الاعتبار للخريطة الصحية بما يحقق، على حد قولهم، تحسين الخدمة العمومية وتحسين أنماط التسيير.
صحة نيوز